فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} أي ذكر بالقرآن أو بالمنهج أو بعاقبة مخالفة الإنسان للمنهج. والعقاب إما حبس وإما هلاك، وذلك بسبب ما تكسب النفس. والكسب في اللغة معناه زيادة على رأس المال. وللكلمة اشتقاق ثان وهو اكتسب. ومرة تأتي الكلمتان في معنى واحد، فالكسب يحدث دون افتعال ودون تعب أو مشقة، أما الاكتساب فهو يحدث بافتعال وبمعالجة وعنت؛ لأن الذي يصنع المحرَّم يأخذ أكثر من قدرة ذاته، فيكون قد اكتسب. أما الذي يأخذ الأمر المشروع له فهو قد كسب. ولكن بعض الناس تأخذ ما اكتسبوه باحتيال ومكر ويظنون أنه كسب وهذا هو الشر؛ لأنه يأخذ غير المشروع له ويحلله لنفسه، ويعتبره كسبًا لا اكتسابًا.
ولذلك يقول الحق سبحانه: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت} [البقرة: 286].
إن لها أي لصالح النفس؛ لأنها أخذت ما هو حق لها. وعليها أي ضد النفس؛ لأنها افتعلت في أخذ ما ليس حقًا لها. ومثال ذلك: نظرة الرجل إلى زوجته، إنها نظرة طيبة إلى حلال طيب. لكن نظرة الرجل إلى امرأة غريبة قد تحتوي من الافتعال الكثير؛ فهو يتلصص ليراها، ولا يرغب في أن يراه أحد وهو يختلس النظر إليها، وهذه كلها انفعالات مفتعلة.
ومثال آخر: سيدة البيت عندما تدخل إلى مطبخها فتتناول شيئًا لتأكله، إنها تأكل من حلال مال زوجها، أما الخادمة فعندما تريد أن تأخذ قطعة من اللحم من المطبخ دون علم أهل البيت فهي تتلصص، وتحاول معرفة عدد قطع اللحم، وقد تتساءل بينها وبين نفسها: ألم تقم ربة البيت بحصر عدد قطع اللحم؟ ولذلك فهي تأخذ من كل قطعة لحم قطعة صغيرة.
وهذا افتعال يتعب الجوارح؛ لأن مثل هذه الأمور تتعب ملكات الإنسان، إنّه يحاول أن يرضي ملكة واحدة فيتعب كل ملكاته الأخرى.
{وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: 70].
إذن فهي النفس التي تحبس وتسلم نفسها إلى الهلكة والعذاب بسوء كسبها ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع، ولا يُقبل منها عدل. وهذه مراحل متعددة تبدأ بقوله الحق: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله وَلِيٌّ} والولي هو الذي ينصرك إن كنت في مأزق. ومأزق الآخرة كبير، فماذا عن الإنسان الذي ليس له ولاية؟ إنه العذاب الحق.
والمرحلة الثانية {وَلاَ شَفِيعٌ} أي ليس له من يشفع عند من يملك النصرة وهو الله؛ فالذي يحبك إن لم ينصرك بذاته فإنه قد يشفع لك عند من يستطيع أن ينصرك. وهذا أيضًا لا يوجد لمن لم يتذكر ويتعظ ولم يتبع المنهج الإيماني.
والمرحلة الثالثة {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} أي أنه لا تقبل منه فدية. فهذه المنافذ الثلاثة قد سُدّت ولا سبيل للنّجاة لهؤلاء الذين قال فيهم الحق: {أولئك الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ} أي أهلكوا أو حُبسوا في الجحيم حبسًا لا فكاك منه، وليس هذا فقط ولكن الحق يقول أيضًا: {لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}.
إن كلمة {شراب} إذا سمعناها فإننا نفهم منها الرِّي. ولكن الحق هنا يتبع كلمة {شراب} بتحديد مصدر هذا الشراب، إنه {من حميم} ليحدث ما يُسمى انبساط وانقباض؛ فالشيء الذي يسرّ الإنسان تنبسط له النفس. والشيء الذي يحزن الإنسان تنقبض له النفس. ولو أن الأمر المحزن جاء بداية في هذا القول الكريم لانقبضت النفس في المسار الطبيعي، لكن الحق شاء أن يأتي أولًا بكلمة من يسمعها تُسر نفسه وهي {شراب} ثم تبعها بما يقبض النفس {من حميم} ليكون الألم ألمين: ألم زوال السرور، وألم مجيء الحزن.
ويصور القرآن في موضع آخر هذه الصورة فيقول: {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه...} [الكهف: 29].
وتنبسط النفس حين تسمع الجزء الأول وهو: {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ} ولكنها تنقبض فور سماعها {بِمَاءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه}.
وصورة أخرى عندما يقول الحق: {... فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].
وتنبسط النفس- كما علمنا- حينما تسمع خير البشارة؛ لأن البشارة تأتي للأمر المفرح، وتنقبض عندما تعلم أن البشارة هي بالعذاب الأليم. إذن فقد جاء الحق بالانبساط، وجاء بالانقباض. وهذه سنة من سنن الله في التأديب. ومثال على ذلك: عندما يرتكب إنسان مظالم كثيرة، وتفاقم واستفحل شره ويريد الله أن ينتقم منه، إنه سبحانه لا ينتقم منه وهو على حاله الطبيعي، إنما يرفع الحق سبحانه هذا الظالم إلى درجات عالية ثم يخسف به الأرض.
ولذلك يقول الحق: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً...} [الأنعام: 44].
وساعة تسمع {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} فأنت تخاف؛ لأن الفتح هنا {عليهم} وليس لهم. لكنك ساعة تسمع قوله الحق: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [الفتح: 1].
فإنك تحس بالانشراح والسرور؛ لأن الفتح هنا لصالح المتلقي وليس عليه هكذا يريد الحق أن يصْلى المتجبرون العذاب المضاعف: {... لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} [الأنعام: 70].
والعذاب هنا نتيجة لما فعلوه وليس فعل جبار متسلط. أما غيرهم من المتساوين معهم في الملكات، واختاروا الخير فآمنوا بالمنهج وطبقوه على أنفسهم فقد نالوا الخير بما فعلوا، والتكوين الإنساني في ذاته صالح لفعل الخير ولفعل الشر، وسنة الحق واضحة جلية: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7- 8]. اهـ.

.قال الجصاص:

قوله تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ}.
قال قتادة: هي منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وقال مجاهد: ليست بمنسوخة، لكنه على جهة التهدد كقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} وقوله: {تُبْسَلَ} قال الفراء: ترتهن وقال الحسن ومجاهد والسدي: تسلم. وقال قتادة: تحبس. وقال ابن عباس: تفضح. وقيل: أصله الارتهان، وقيل: التحريم، ويقال أسد باسل لأن فريسته مرتهنة به لا تفلت منه، وهذا بسل عليك أي حرام عليك لأنه مما يرتهن به، ويقال: أعطي الراقي بسلته أي أجرته لأن العمل مرتهن بالأجرة، والمستبسل المستسلم لأنه بمنزلة المرتهن بما أسلم فيه. اهـ.

.قال في البحر المديد:

الإشارة: لا ينبغي للشيخ أو الواعظ أن يمل من التذكير، ولو رأى من أصحابه غاية الصفاء، ولا ينبغي للمريد أن يمل من التصفية والتشمير، ولو بلغ من تصفية نفسه ما بلغ، أو أَظهرت له من الاستقامة ما أظهرت، قال تعالى: {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها}.
قال أبو حفص النيسابوري رضي الله عنه: من لم يتَّهم نفسه على دوام الأوقات، ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أيامه، كان مغرورًا، ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها، وكيف يصح لعاقل الرضا عن نفسه؛ والكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم، يقول: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]. وقال أيضًا: منذ أربعين سنة اعتقادي في نفسي أن الله ينظر إليَّ نظر السخط، وأعمالي تدل على ذلك. وقال الجنيد رضي الله عنه: لا تسكن إلى نفسك، وإن دامت طاعتها لك في طاعة ربك. وقال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه: (ما رضيت عن نفسي طرفة عين). إلى غير ذلك من مقالاتهم التي تدل على عدم الرضى عن النفس وعدم القناعة منها بالتصفية التي آظهرت.
ويُحكى عن القطب بن مشيش؛ أنه لما بلغ في تلاوته هذه الآية، تواجد وأخذه حالٌ عظيم اقتطعه عن حسه، حتى كان يتمايل، فيميل الجبل معه يمينًا وشمالًا. نفعنا الله بذكرهم آمين.
فإن قلت: العارف لم تبق له نفس يتهمها؛ لفنائه في شهوده وانطوائه في وجوده؟ قلت: العارف الكامل هو الذي لا يحجبه جمعه عن فرقة، ولا فرقة عن جمعه، فإذا رجع إلى شهود فرقه، رأى نفسه عبدًا متصفًا بنقائص العبودية التي لا نهاية لها، ولذلك قالوا: للنفس من النقائص ما لله من الكمالات. فلو تطهرت كل التطهير لم يقبل منها، وإذا نظر إلى نعت جمعه رأى نفسه مجموعًا في الحضرة، متصفًا بالكمالات التي لا نهاية لها، فيغيب عن شهود عبوديته في عظمة ربوبيته، لكنه لا يحجب بجمعه عن فرقه؛ لكماله، وإلى هذا المعنى أشار في الحكم بقوله: لا نهاية لمذامك إن أرجعك إليك، ولا تفرغ مدائحك إن أظهر جوده عليك. وبالله التوفيق. اهـ.

.قال في روح البيان:

اعلم أن التكذيب بآيات الله تعالى والاستهزاء بها هو الكفر وعاقبة الكفر هو العذاب الأليم وكذا الإصرار على المعاصي يجر كثيرًا من عصاة المؤمنين إلى الموت على الكفر والعياذ بالله.
وعن أبي إسحاق الفزاري قال: كان رجل يكثر الجلوس إلينا ونصف وجهه مغطى، فقلت له: إنك تكثر الجلوس إلينا ونصف وجهك مغطى، أطلعني على هذا، فقال: وتعطيني الأمان؟ قلت: نعم قال كنت نباشًا فدفنت امرأة فأتيت قبرها فنبشت حتى وصلت إلى اللبن ثم ضربت بيدي إلى الرداء، ثم ضربت بيدي إلى اللفافة فمددتها فجعلت تمدها هي، فقلت: أتراها تغلبني فجيت على ركبتي، فجررت اللفافة فرفعت يدها فلطمتني وكشف وجهه، فإذا أثر خمس أصابع، فقلت له: ثم مه؟ قال: ثم رددت عليها لفافتها وإزارها، ثم رددت التراب وجعلت على نفسي أن لا أنبش ما عشت، قال: فكتبت بذلك إليّ الأوزاعي فكتب إلى الأوزاعي ويحك سله عمن مات من أهل السنة ووجهه إلى القبلة فسألته عن ذلك، فقال: أكثرهم حول وجهه عن القبلة فكتبت بذلك إلى الأوزاعي فكتب إليّ إنا لله وإنا إليه راجعون ثلاث مرات، أما من حول وجهه عن القبلة فإنه مات على غير السنة، وأراد بالسنة ملة الإسلام نسأل الله تعالى العفو والمغفرة والرضوان. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا} قال: مثل قوله: {ذرني ومن خلقت وحيدًا} [المدثر: 11].
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن قتادة في قوله: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا} قال: ثم أنزل في سورة براءة فأمر بقتالهم، فقال: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] فنسختها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا} قال: أكلًا وشربًا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أن تبسل} قال: تفضح. وفي قوله: {أبسلوا} قال: فضحوا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {أن تبسل} قال: تسلم وفي قوله: {أبسلوا بما كسبوا} قال: أسلموا بجرائرهم.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل أن تبسل نفس؟ قال: يعني أن تحبس نفسه بما كتبت في النار. قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهيرًا وهو يقول:
وفارقتك برهن لا فكاك له ** يوم الوداع وقلبي مبسل علقًا

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أن تبسل نفس} قال: تؤخذ فتحبس. وفي قوله: {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} قال: لو جاءت بملء الأرض ذهبًا لم يقبل منها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا} قال: أخذوا بما كسبوا.
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان بن حسين أنه سأل عن قوله: {أبسلوا} قال: اخذلوا أو أسلموا، أما سمعت قول الشاعر:
فإن أقفرت منهم فأنهم بسل

. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{اتَّخّذُوا} فيها وجهان:
أحدهما: أنها مُتَعَدِّيَةٌ لواحد، على أنها بمعنى اكتسبوا وعملوا، و{لهوًا ولعبًا} على هذا مفعول من أجله؛ أي: اكتسبوه لأجل اللهو واللعب.
قال أبو حيَّان: ويظهر من بعض كلام الزمخشري، وكلام ابن عطية أنَّ {لعبًا ولهوًا} هوا لمفعول الأوَّل، و{دينهم} هو المفعول الثاني.
قال الزمخشري: أي دينهم الذي كان يجب أن يأخذوا به لَعِبًا ولهوًا، وذلك أن عبادتهم وما كانوا عليه من تَبْحِير البَحَائِرِ وتسييب والسَّوائبِ من باب اللَّهْوِ واللعبن واتِّباعِ هوى النفسن وما هو من جِنْسِ الهَزْلِ لا الحِدِّ، أو اتخذوا ما هولَعِبٌ ولهو من بعادة الأصنام دِينًا لهم، أو اتخذوا دينهم الذي كُلِّفُوُ، وهو دين الإسلام لعبًا ولهوًا، فتفسيره الأوَّلُ هو ما ذكرناه عنه.
انتهى قال شهاب الدين: وهذا الذي ذَكَرَاهُ إنما ذَكَرَاهُ تفسير معنى لا تفسير إعراب، وكيف يجعلان النكرة مَفْعُولًا أوَّل، والمعرفة مفعولًا ثانيًا نم غير داعية إلى ذلك، مع أنهما من أكابر أهْلِ هذا اللسان، وانظر كيف أبرزا ما جَعَلاَهُ مفعولًا أول معرفة، وما جعلاه ثانيًا نكرة في تركيب كلامها يخرج على كلام العرب، فكيف يظن بهما أن يجعلا النكرة محدثًا عنها، والمعرفة حديثًا في كلام الله تعالى؟ قوله تعالى: {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} تحتمل وجهين: أحدهما: أنها مستأنفة.
والثاني: أنها عطف على صلة {الَّذين}، أي: الذين اتَّخّذُوا وغرَّتْهُم، وقد تقدم معنى الغُرُور في آخر آل عمران.